كان من أهم إنجازات الحضارة الإسلامية، والأدلة على تميزها وصلاحيتها لكل زمان ومكان أنها أعطت أهمية كبيرة للعلم ومنحت العلماء مكانة متميزة.
الحضارة الإسلامية هي حضارة العلم والمعرفة، ولقد توصل العلماء المسلمون إلى المنهج العلمي الذي استخدمته أوروبا فيما بعد في صناعة نهضتها وإقامة ثورتها الصناعية التي استخدمتها في السيطرة علينا.
والحضارة التي تنتشر وتسود هي التي يكون فيها للعلماء مكانة متميزة، فكلما علت مكانة العالم في أمة فأعلم أن تلك الأمة تشق طريقها نحو النهضة، وتصنع لنفسها مستقبلاً زاهرا، وكلما تدنت مكانة العالم في أمة وعلت فيها مكانة الجاهل فأعلم أنها تسير نحو الضعف والفقر والتخلف.
كأنبياء بني إسرائيل
لا يخاف الطواغيت
واجب العلماء
كأنبياء بني إسرائيل
لذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نوقّر العلماء ونحترمهم ونكرمهم فقد قال: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، وفي حديث آخر: إن العلماء ورثة الأنبياء.
ومكانة العالم تُستمد من تحصيله للعلم وتعليمه للناس، والعالم هو أكثر الناس معرفة بالله، فهو يدرك أن هذا العلم الذي حصّله إنما هو نعمة من الله، ولذلك فكلما ازداد العالم علما زادت معرفته بالله ويقينه وإيمانه وخشيته لله.
فكل ما يحصّله الإنسان هو علم محدود، وعلم الله لا حدود له، وفوق ما يتصور البشر إنه العليم وحده، وهو يعطي للإنسان بعضاً من العلم، وقبساً من نور المعرفة.
لذلك تزداد خشية العالم من الله، وخوفه منه كلما ازداد علمه.
يقول الله سبحانه وتعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء إن الله عزيز غفور}.
يحق للعالم أن تزداد خشيته لله وهو يتأمل الكون الواسع، وتتكشف له الحقائق فيدرك أن الله القوي العزيز هو الذي خلق هذا الكون بقوته، ويسيّره بحكمته. وكلما زادت خشية العالم من الله زاد تواضعه للناس، فهو واحد من الناس أعطاه الله علما لينتفع به الناس.
وكلما ازدادت خشية العالم من الله ازدادت قوته، فهو يستقوي بالله الذي يعرف أنه القوي العزيز، لذلك فإنه لا يخشى إلا الله ولا يخاف سواه.
العالم الحقيقي تزداد قوته كلما ازداد علماً فهو يعرف أن كل شيء بيد الله وحده، وأنه لا يكون في كون الله إلا ما شاء الله. وأن الرزق بيد الله وحده فهو الرزاق الكريم.
لا يخاف الطواغيت
وعالم وهبه الله علماً يملأ الإيمان بالله قلبه فلا يخاف ظالما ولا يخشى الطواغيت ولو اجتمعوا، فإنه إنما يحتمي بالله القوي الذي عرفه، وهو يملك الشجاعة أن يقول كلمة الحق، وأن يقول للسلطان الجائر لا.
وعندما يمتلك العالم القوة والشجاعة فإنه يقود الأمة للنهضة التي ترتبط دائما بعلو الهمة وشجاعة الرجال.
عندما يملأ الإيمان قلب العالم فإنه يعلم الناس الشجاعة، ويكافحون دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم، ويحررون الأرض والبشر.
والعالم يبين للناس الحق حين يضلل المفسدون والمستبدون الناس باستخدام المصالح الدنيوية قصيرة المدى.
الطغاة دائما يريدون أن يحققوا المصالح المادية على حساب المبادئ، والأمم إنما تسود بالعدل والقيم والمبادئ، لذلك دائما يظهر الصراع بين العلماء الذين يعتقدون أن وظيفتهم هي تعليم الناس وتوضيح الحق والطغاة الذين يريدون أن يزيّنوا للناس الباطل ويُخضعونهم بالقهر والظلم، ويتحالفون مع أعداء الأمة فهم يعتقدون أن هؤلاء الأعداء يملكون القدرة على حمايتهم.
الطغاة ينظرون دائماً تحت أقدامهم ومن لا يصدّق فلينظر إلى حال برفيز مشرف، فما من طاغية خدم أمريكا وحقق لها مصالحها مثله، ومن أجل إرضاء أمريكا قتل الكثير من أبناء شعبه لأن أمريكا وصفتهم زوراً وفجوراً بأنهم إرهابيون.
أما الآن فإن أمريكا تريد التخلص من برفيز مشرف الذي أصبح عبئاً ثقيلاً عليها، فهو يدفع باكستان نحو الفوضى، وهي تخاف من أن تقع أسلحة باكستان النووية في أيدي الإسلاميين، وهناك أصوات قوية في الإدارة الأمريكية تطالب الآن بغزو باكستان.
واجب العلماء
لو أن العلماء قاموا بواجبهم في محاربة الطغيان، وامتلكوا الشجاعة في مواجهة الباطل والظلم لما آل حال أمتنا إلى تلك الحال التي لا ترضي سوى الأعداء.
يا علماء الأمة إنما الرزق بيد الله وحده، فحرّروا أنفسكم من الخوف على الدنيا وأملؤوا قلوبكم بخشية الله والخوف منه، فإنكم إن فعلتم ذلك فستقودون الأمة للحرية والاستقلال والنهضة.
أعرف أن الآلاف من أعين العسس في بلادنا تراقبكم وترصد حركاتكم، وأن أعوان الطغيان يحلّلون كلماتكم، وأن أمريكا أعطت الأوامر للطغاة في بلادنا بأن يطردوا كل عالم يجرؤ على أن يقول كلمة حق، وأن يطاردوه في رزقه ووظيفته، لكن ماذا سوف تقولون لله يوم القيامة؟
إنه سؤال صعب وامتحان عسير.. أليس كذلك؟
يا علماء الأمة إنكم تستطيعون أن تقودوا الأمة للنهضة والنصر والحرية والاستقلال عندما تحرّرون أنفسكم من الخوف من الطواغيت.
يا علماء الأمة إنّ أعمارنا قصيرة، وما عند الله لن نناله إلا بإرضاء الله، والعالم لا يريد شيئاً من المستبدّين المفسدين.. إنه يريد ما عند الله. والأمة تحتاج إلى علمائها ليقودوها نحو النصر.
عندما أراد صلاح الدين الأيوبي أن يحرّر القدس جمع علماء الأمة وكرّمهم وأعلى مكانتهم فانتشروا في أرجاء الوطن يدعون الناس للوحدة ولتحرير القدس، ولقد قام العلماء بوظيفتهم فشكلوا ثقافة المقاومة، ولذلك ظهر أجمل ما في الناس فتجمّع الرجال في جيش صلاح الدين، وتبرعت النساء بكل ما يملكن من ذهب وفضة لتمويل الجيش.
عندما امتلك العلماء الشجاعة سار خلفهم الناس يقاتلون من أجل الحرية، ويضحّون بالمال والأرواح لتحرير القدس.
عندما يمتلك العلماء الشجاعة ويتقدّمون الصفوف تنهض الأمم وتتحرّر، ويتعلّم الناس وتشتدّ عزائمهم وتعلو هممهم.
والعالم قدوة للناس يساهم في تشكيل شخصياتهم، وعندما تملأ الشجاعة والإيمان نفوس الناس فلا بدّ أن يهرب الاستبداد والفساد الذي يتحكّم عندما يخاف الناس ويخضعون.
عندما يسكت العلماء ويخافون يتفرعن الفرعون!
الفلسطيني